بسم الله الرحمن الرحيم
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا ربي لعفوك سلما
تعـاظمني ذنــبي فـلما قــرنته بعفوك ربي صار عفوك أعظما
يا باغي الخير أقبل ، فالباب غير مقفل ، يا من أذنب وعصى ، وأخطأ وعتى ، تعال فلعل وعسى ، يا من بقلبه من الذنوب جروح ، تعال فالباب مفتوح ، والكرم يغدو ويروح ، يا من ركب مطايا الخطايا ، تعال إلى ميدان العطايا ، يا من اقترفوا فاعترفوا ، لن تنسوا
قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا ، يا من بذنب باء ، وقد أساء ، تذكر : (( يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء )) .
أسقت بغي كلبا ، فأرضت ربّا ، ومحت ذنبا ، قتل رجل مائة رجل ، ثم تاب إلى الله عز وجلّ ، فدخل الجنة على عجل .
لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه
من جود فضلك ما علمتني الطلبا
من الذي ما أساء قط ، ومن له الحسنى فقط ، ومن هو الذي ما سقط ، وأين هو الذي ما غلط ، يا كثير الأخطاء : أنسيت : كلكم خطّاء ، كم يقتلك القنوط كم ، وأنت تسمع : (( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم )) .
اطرق الباب تجدنا عنده
لا تقل قد أغلق الباب فلا
بسخاء وببذل وكرم
تحمل اليأس فتلقى في الندم
إذا أذنبت فتب وتندّم ، فقد سبقك بالذنب أبوك آدم ، ومن يشابه أباه فما ظلم ، وتلك شنشنة نعرفها من أخزم ، فلا تقلد أباك في الذنب وتترك المتاب ، فإن أباك لما أذنب أناب ، بنص الكتاب .
أصبحت وجوه التائبين مسفره ، لما سمعوا نداء : لو أتيتني بقراب الأرض خطايا لأتيتك بقرابها مغفره ، اطرح نفسك على عتبة الباب ، ومد يدك وقل : يا وهّاب . أرغم أنفك بالطين وناد : رحمتك أرجو يا رب العالمين .
إن جرى بيننا وبينك عتب
فالقلوب التي عرفت تلظّى
وبعدنا وشط عنا المزار
والدموع التي عهدت غزار
يا من أساء وظلم ، اعلم أن دمعة ندم ، تزيل أثر زلة القدم . أنت تتعامل مع من عرض التوبة على الكفار ، وفتح طريق الرجعة أمام الفجّار ، وأمهل بكرمه الأشرار . أنزل بالعفو كتبه ، وسبقت رحمته غضبه .
والله ما لمحت عيني منازلكم
ولا تذكرت مغناكم وأرضكموا
إلا توقد جمر الشوق في خلدي
إلا كأن فؤادي طار من جسدي
اسمه التوّاب ، ولو لم تذنب لما عرف هذا الوصف في الكتاب ، لأن الوصف لابد له من فعل حتى يوصف بالصواب . ما تدري بالذنب ، محى العجب ، وبالاستغفار حصل الانكسار ، لكأس الاستكبار ، وصار الانحدار ، لجدار الإصرار .
لا تصر ، بل اعترف وقر ، فإن طعم الدواء مُر ، وسوف تجد ما يسر ولا يضر ، واحذر الشيطان فإنه يغر .
اطرق الباب فإنا فاتحون
لا تغيرك على الصحب الظنون
الاعتراف بالاقتراف ، طبيعة الأشراف ، قف بالباب ، وقل : أذنبنا ، وطف بتلك الديار وقل : تبنا ، وارفع يديك وقل : أنبنا ، أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، سبحان من يغفر الذنب لمن أخطأ ، ويقبل التوبة ممن أبطأ .
للتائب فرحتان ودمعتان وبسمتان .
فرحة يوم ترك الذنب ، والأخرى إذا لقي الرب ، ودمعة إذا ذكر ما مضى ، والثانية إذا تأمل كيف ذهب عمره وانقضى ، وبسمة يوم ذكر فضل الله عليه بالتوبة ، وهي أجلّ نعمة ، والأخرى يوم صرف عنه الذنب وهو أفظع نقمة .
بشرى لمن عفّر جبينه ، وأشعل في قلبه أنينه ، وأضرم بالشوق حنينه ،التائب تبدل سيئاته حسنات ، لأن ما فات مات ، والصالحات تمحو الخطيئات .
للتوبة أسرار ، ولأصحابها أخبار ، فالتائب يزول عنه تصيد المعائب ، وطلب المثالب ، لأنه ذاق مرارة ما تقدّم ، فهو دائماً يتندّم ، وهو يفتح باب المعاذير ، لمن وقع في المحاذير ، ولا يفعل فعل المعجب المنّان ، الذي قال : والله لا يغفر الله لفلان ، بل يستغفر لمن أساء من العباد ، ويطلب الهداية لأهل الفساد ، والتائب يطالع حكمة الرب ، في تقدير الذنب .
واعلم أن لوم النفس على التقصير ، والنظر إليها بعين التحقير ، والإزراء عليها في جانب مولاها ، وعدم الرضا عنها لما فعله هواها ، يقطع من مسافات السير ، إلى اللطيف الخبير ، ما لا يقطعه الصيام ولا القيام ، ولا الطواف بالبيت الحرام ، فهنيئاً لمن على ذنبه يتحرق ، وقلبه يكاد من الأسف يتمزّق ، ودمعه على ما فرّط يترقرق .
وقفنا على الأبواب نزجي دموعنا
ونبعث شوقاً طالما ضج صاحبه
أجمل الكلمات ، وأحسن العبارات ، لدى رب الأرض والسموات ، قول العبد : يا رب أذنبتُ ، يا رب أسأتُ ، يا رب أخطأتُ ، فيكون الجواب منه سبحانه : عبدي قد غفرت وسامحت ، وسترت وصفحت .
إن الملوك إذا شابت عبيدهمو
وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً
في رقهم عتقوهم عتق أبرار
قد شبت في الرق فاعتقني من النار
عفّر الجبين بالطين ، وناد : يا رب العالمين ، تبنا مع التائبين ، اغسل الكبائر بسبع غرفات من ماء الدموع وعفرها الثامنة بتراب المتاب ، فهذا فعل من أناب ، حتى يفتح لك الباب .
إذا أردت القدوم عليه ، توسل برحمته وفضله إليه ، ولا تمنن بطاعتك لديه، لا تيأس من فتح الباب ، ورفع الحجاب ، فأدم الوقوف عنده ، واخطب وده ، فإن من قصده لن يرده ، ما أحوج الجيل ، إلى آخر ساعة من الليل ، لأنها ساعة الهبات ، والأعطيات والنفحات ، إمام الموحدين .
منقول