الإفراج عن أيمن نور.. أسرار وتداعيات
أيمن نور بعد إطلاق سراحه ما أن أعلن النائب العام المصري في 18 فبراير الإفراج عن المعارض السياسي أيمن نور لأسباب صحية ، إلا وتباينت التفسيرات حول مغزى هذا القرار المفاجيء للرأي العام داخل مصر وخارجها ، فهناك من يرى أنه يأتي بالفعل في إطار حق نور في الإفراج الصحي ، خاصة وأنه أقام العام الماضي دعوى ضد وزير الداخلية المصري يطالب فيها بـ"حقه في الإفراج الصحي"، قائلاً "إن حالته الصحية لا تسمح له بالبقاء في السجن، وإن استمرار حبسه فيه تهديد لحياته لأنه مريض بالقلب والسكري وضغط الدم" ، إلا أن المحكمة قررت في حينها رفض الدعوى.
وفي المقابل ، يرى آخرون أن الإفراج يأتي في إطار صفقة سياسية يمتنع نور بمقتضاها عن الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة ، وأخيرا يرجح البعض أن الأمر مرتبط بالعلاقات المصرية الأمريكية، خاصة وأن إطلاق سرح نور يأتي بعد يومين من قيام صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية بشن هجوم عنيف ضد النظام المصري ، على خلفية الزيارة المرتقبة للرئيس مبارك لواشنطن والتي تعد الأولى من نوعها للولايات المتحدة بعد قطيعة مع إدارة الرئيس السابق جورج بوش دامت أكثر من خمس سنوات.
وكانت صحيفة واشنطن بوست قد عزت أسباب تلك القطيعة إلى إصرار بوش على تعزيز الحريات السياسية في مصر ، وادعت تزايد تعرض معارضي نظام الحكم في مصر إلى الاضطهاد والقسر ، مستشهدة بتوجيه محكمة أمن الدولة مؤخرا تهمة الخيانة إلى المعارض سعد الدين إبراهيم .
وفيما يبدو أنه شروط مسبقة لإنجاح الزيارة ، حثت الصحيفة الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة باراك أوباما على التأكيد للقاهرة بأن واشنطن لن تتساهل مع اضطهاد المعارضين في مصر وأن الأجدى بمبارك أن يسقط التهم الموجهة إلى سعد الدين ابراهيم ويطلق سراح المرشح السابق لرئاسة الجمهورية أيمن نور لتجد زيارته ترحيبا في واشنطن.
بدايات القضية وكان نور،الذى احتل المركز الثاني في سباق الرئاسة المصرية عام 2005 بعد الرئيس حسنى مبارك، قد حكم عليه في ديسمبر من العام ذاته بالسجن لمدة خمس سنوات لاتهامه بتزوير توكيلات إنشاء حزب الغد ، وهو بذلك يكون قد فقد حقه في الترشح للانتخابات الرئاسية التى تجرى في عام 2011 .
ورغم أن المعارضة تشير إلى أن القضية سياسية بالأساس ، لكن الحكومة المصرية تصر علي كونها جنائية ، وقد أسس نور حزب الغد عام 2001 وكان رفض من قبل لجنة شئون الأحزاب والمحكمة أربع مرات وقبل في المرة الخامسة.
ومنذ دخول نور السجن تفاقمت متاعبه الصحية حيث يعاني مشاكل في القلب والإبصار كما أنه يعاني من مرض السكري ، ورغم أن الطب الشرعي قدم تقريرا للمحكمة العام الماضي أكد فيه أن الحالة الصحية لأيمن نور لا تستدعي الإفراج الصحي عنه ولائق لقضاء فترة العقوبة ، إلا أن نور قدم 14 تقريرا من أطباء آخرين أكدوا أن حالته الصحية تبرر الإفراج عنه ، بل وحذر بعض الأطباء من موته الفجائي بسبب أمراض القلب والسكر وضغط الدم التي يعاني منها .
النائب المشاكس وأيمن عبد العزيز نور من مواليد 10 أكتوبر 1964 ، وتدرج في مراحل التعليم المختلفة حتى تخرج في كلية الحقوق جامعة المنصورة بناء على رغبة أسرته لأن والده وجده كانا محاميان ثم بعد تخرجه حصل على الدكتوراه في العلوم السياسية ، وعمل بجريدة الوفد صحفياً وأصبح عضوا بنقابة الصحفيين وبعد ذلك اتجه للعمل الحزبي بالحزب الذي تتبع له الجريدة حتى أصبح نائبا لرئيس الحزب ، وأصبح عضوا بالبرلمان المصري عن دائرة من أكبر الدوائر الإنتخابية بالعاصمة وهي دائرة باب الشعرية ووقتها كان يبلغ من العمر 30 عاماً تقريبا ويعد من أصغر الأعضاء الذين انتُخبوا في مجلس الشعب حيث فاز في دورتين متتاليتين وقد حصل عام 1999 علي جائزة أفضل أداء برلماني علي مستوي دول البحر الأبيض المتوسط وكان وقتها يعرف داخل مصر بالنائب المشاكس.
وبصفة عامة فإن بداية عمله بالسياسة جاءت مبكرة ، فقد كان والده نائب من نواب مجلس الشعب لذلك شارك أيمن نور فى إدارة الحملات الانتخابية لوالده وبعد ذلك ترأس اتحاد طلاب الجمهورية ثم انضم إلى حزب الوفد والذى أصبح بعد وقت قليل من أنشط كوادره ، وبعد ذلك انضم نور لحزب مصر وهو امتداد للوسط على اعتبار أنه وسطى ليبرالي وتم انتخابه رئيسا للحزب في مؤتمر عام 2001 ثم بدأ نور بعد ذلك في تأسيس حزب جديد هو حزب الغد الذي أصبح رئيساً وزعيما له وأضحى من أقوى الأحزاب المعارضة داخل البرلمان المصري.
ولم تكن تجربة السجن في 2005 هى الأولى من نوعها ، فقد اعتقل أكثر من مرة في بداية الثمانينات ، حيث كان يعمل في الصحافة قبل تخرجه ، وتزوج وعمره 22 عاماً من المذيعة التليفزيونية جميلة إسماعيل وهو أب لـ نور وشادى.
تصريحات نارية وفي أكتوبر الماضي ، أدلى نور بتصريحات من سجنه لوكالة الأنباء الألمانية ، قال فيها إن قرارا وصفه بأنه "مفاجأة" سيصدر بشأنه من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ، مشددا على أنه سيخرج من السجن بقوة القانون في يوليو 2009 ولن يترك الساحة السياسية.
وأضاف أن المدعى العام للمحكمة الدولية لويس مورينو أوكامبو تقدم ببلاغ في 15 أغسطس الماضي ضد مسئولين مصريين على خلفية سجنه ، مشيرا إلى أن عدم تصديق مصر على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية لا يمنع المحكمة من استدعاء وتوجيه الاتهامات إلى أي من المسئولين المصريين مثلما حدث مؤخرا في حالة الرئيس السوداني عمر البشير.
وتابع " خروجي بقوة القانون وليس العفو في أول يوليو عام 2009 وهو إفراج بقوة القانون وفقا لنص المادة 52 من القانون رقم 396 لسنة 1956".
وعزا عدم شموله بقرارات العفو الرئاسي التي أصدرها الرئيس مبارك عن سجناء في مناسبات وطنية، إلى أنه في حال حصوله على عفو رئاسي ستسقط عقوبة منعه من ممارسة العمل السياسي أو الترشح في أي انتخابات لمدة ست سنوات من تاريخ إطلاق سراحه ، مؤكدا أن معركته الحقيقية ستكون عقب خروجه من السجن لمواجهة منعه من ممارسة العمل السياسي.
واختتم تصريحاته مطالبا بتعديل الدستور المصري أو بمرحلة انتقالية لمدة عام واحد تتم فيه الدعوة إلى جمعية تأسيسية لدستور جديد وإصلاح الأوضاع القانونية ثم الدعوة لانتخابات رئاسية شفافة لا يشارك فيها أي مرشح من المسئولين عن المرحلة الانتقالية.
وبعد الإفراج عنه في 18 فبراير ، أكد خلال حوار لبرنامج "العاشرة مساء" على قناة دريم أن الأمر كان بمثابة مفاجأة بالنسبة له إلا أنها تأخرت أربع سنوات ، مشيرا إلى أن التجربة قاسية ويشعر بالمرارة تجاهها ولكنها ساعدته في الوقت ذاته على التقرب من الله سبحانه وتعالى ، وكان البارز فيما أطلقه من تصريحات هو تأكيده على أنه سيواصل ممارسة عمله السياسي وسيسعى قبل أية انتخابات تشريعية أو رئاسية قادمة إلى رفع عقوبة منعه من ممارسة عمله السياسي ، وأشار في هذا الصدد إلى أنه محامي وتلك قضيته التي سيناضل من أجلها ، مشددا على أن الإفراج عنه هو ميلاد جديد لحزب الغد .
وبالنسبة لما يتردد عن استقوائه بالخارج لتحقيق طموحاته السياسية ، نفي نور بشدة هذا الأمر ، مشيرا إلى أنه ليس رجل أمريكا وليس لديه علم عن تدخلها لإطلاق سراحه ، أما فيما يتعلق بالرسالة التي تردد أنه بعث بها لأوباما قبل فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية ، أوضح نور أنها لم تكن رسالة لأوباما وإنما كانت مقالة أرسلها لإحدي الصحف الأمريكية بعنوان " رسالة لأوباما " وطالب خلالها بنشر العدالة في ربوع العالم وبالإسراع بحل القضية الفلسطينية باعتبارها حسب وصفه القضية التي تستخدمها الأنظمة في العالم العربي لتبرير استمرار قمع الحريات ورفض الديمقراطية .
وفيما يتعلق بمطالبة البرلمان الأوروبي أكثر من مرة السلطات المصرية بإطلاق سراحه ، وصف نور هذا الأمر بأنه يأتي في إطار التضامن بين الشعوب وليس الحكومات ، قائلا :" أنا مصري وأنتمي لهذا الشعب ولا أسعى للاستقواء بالخارج بأي حال من الأحوال".
ويبقى التساؤل المحير " هل ينجح نور فعلا في رفع الحظر المفروض على نشاطه السياسي ؟ " ، والإجابة على الأرجح أن نجاح نور في إلغاء عقوبة منعه من ممارسة العمل السياسي والترشح بالتالي للانتخابات الرئاسية المقبلة مرتبط بالكيفية التي أطلق بها سراحه ، فإذا كان الإفراج عنه جاء استجابة لضغوط أمريكية ، فإن فرصه تكون كبيرة جدا أما خلاف ذلك فإن طموحاته في هذا الصدد تكون أمرا بعيد المنال.
منقول من موقع
المحيط
سلام