يوم من السعادة !!

كعادتي إستيقظت مبتسماً للدنيا و متقائلاً بصباح جديد ,, مررت بشكل سريع أمام التلفاز و أنا أسد أذني حتى لا استمع إلى نشرات الأخبار .. دخلت إلى الحمام و خرجت و بدأت إرتداء ملابسي و أنا اطلق صفارتي المميزة من فمي و جائت أمي لتطمئن علي قبل نزولي إلى الجامعة ...

نزلت في منتهى السعادة و وقفت على محطة الباص و ركبت الباص مع الفقراء و العمال و المساكين فشعرت بتلك الهزة العميقة التي اكسبتني باللذة لأني أخيراً شعرت بعدم تأنيب الضمير .. فعندما أرى إنسان يموت من الجوع تكره نفسي اللقمة .. و عندما أرى من لا يجد غطاء يكسيه أكره إرتداء الملابس .. و لكني اليوم جلست في وسطهم و شاهدت الأغنياء يتجولون بسياراتهم الفارهة و ملابسهم الأنيقة يطلقون ضحكات عالية في السماء و رئيت في الجهة الأخرى عيون تنظر بشوق إلى تلك السعادة و ايادي محرومة تطرق بخفة على الزجاج لعله ينفتح و يتركهم ليعيشوا حياتهم خارج هذا الباص ( باص الفقراء ) .. لم أشارك في فرحة الأغنياء أو بؤس الفقراء , فهناك ما يشغلني دائماً في هذا الباص .. و هذا الشيء يفوق كثيراً أهمية السيارات و بكاء المحرومين و هو الحقيقة أو لنقل الحياة ... ما زلت أتذكر مقولة أنيشتاين و التي كنت أصم أذني دائماً عند سماعها حتى لا تؤذيني المقولة هي ( إن الله لا يلعب النرد مع الكون ) و لعلي من دراستي لقوانين النسبية و قرائتي للمتشككين بت لا أستطيع التوفيق بين نسبية إينشتاين و مقولة إينشتاين نفسه ... و أنا على علم تام أن العظماء دائماً متناقضين فمن لا يتغير ليس بإنسان كما قال نيتشه ...

أكمل الباص الرحلة و مازالت الضحكات تتصاعد و العيون تنظر بحرمان و انا أراقب في مكاني الذي أحيط برائحة العرق و النتن المتصاعدة من بعض الركاب - و لعلمكم فهذه الرائحة أزكى عندي من رائحة العطور الباهظة الثمن التي يسكبها الفارغين على ملابسهم الأنيقة - إنها رائحة الكفاح .. رائحة أب يستيقظ من الفجر ليعمل على السقالة و يبني المستشفى و المدرسة و المصنع .. رائحة كانس الشوارع الذي يسير في كل شارع يزيل أوساخ البشر أصحاب الملابس الأنيقة و أصحاب الايادي التي تلقي الأوساخ .. أما هو فيحملها بعيداً تاركاً
المكان للمزيد من الأوساخ من أصحاب السيجار الكوبي

وصل الباص و نزل كل فقير إلى عمله ينظر إلى سيده الذي يجلس داخل الحجرة المكيفة يقبض الدولارات و يفرق عليهم السنتات في أخر النهار .. لا يتكلمون .. لا يتذمرون .. فهي إرادة الله و إرادة المجتمع .. .. يمر اليوم و يسكب العمال قطرات العرق و الجهد يفتك بأجسادهم ليعودون في أخر النهار معي في نفس الباص .. أرى تلك الوجوه التي كانت تنظر بحرمان في الصباح لا تقوى على النظر في الظهيرة .. أجدهم ينامون و هم وقوف من فرط التعب .. أجد أحدهم و قد أسند راسه لينام على صدري و من ثم يرفعها و هو يعتذر و في عينيه خوف و صوت يردد ( لعله من أصحاب الملابس الأنيقة ) .. هكذا ينتهي يومي السعيد لأني رفضت أن ارتدي الملابس الأنيقة منذ زمن و رفضت أن اركب السيارات و صرت مثلهم لأريح ضميري من هذا العذاب .. فهل تريحوا ضمائركم من نفس العذاب و تركبوا معي الباص في الصباح الباكر ؟؟ .. أنا في انتظاركم على المحطة مع أصدقائي العمال .....

يا أخت أنا طالب .. يعني اساعدهم بأموال منين ؟؟؟ أرجوكي أعرفي وضعي إن ده أقصى حاجة أقدر أعملها زي ما قال المعري :

فلو أني احببت الخلد فرداً .. لما أحببت بالخلد إنفرادا